الأربعاء، 11 فبراير 2009 

فضائيات تصب الزيت على نار الطائفية



يشتغل على تصوير فيلمه التلفزيوني الجديد... ليث عبد الأمير: فضائيات تصب الزيت على نار الطائفية


فجر يعقوب ـ الحياة


عندما التقينا به كان قد عاد لتوه من مدينة ليل الفرنسية وقد أنجز تصوير النصف الأول من شريطه التسجيلي الجديد «دمعة الجلاد». المخرج العراقي المقيم في باريس ليث عبد الأمير رفض أن يفصح عن مضمون فيلمه قائلا إنه لا يرغب في الحديث عنه «أولاً لإيماني بأن الأشياء يمكن الحديث عنها بعد أن تنجز، وثانياً بسبب من خصوصية الموضوع». وحول سؤال عن سبب تكتمه على مشروعه، وما إذا كان ثمة مشكلة له مع المحطات التلفزيونية، فهو دائماً يردد إن المشكلة ليست مع المنتج المباشر، بل مع هذه المحطات يقول عبد الأمير: «في البدء يجب أن أوضح أنني لا أتحدث عن علاقتي مع المحطات التلفزيونية سواء كانت فرنسية أو أوروبية كمشكلة شخصية، وإنما كواقع ثقافي يجب فهمه واستيعابه. فإنجاز فيلم تلفزيوني يمر عبر مرحلة من الإجراءات الروتينية تبنى على العلاقة بين المخرج والمنتج من جهة، والمحطة التلفزيونية من جهة ثانية، فالمنتج هو الوسيط الذي يقف بين المخرج والتلفزيون، ويبقى الرأي النهائي محصوراً بيد المحطة التلفزيونية الممول الأساسي للعملية الإنتاجية، لذا يتوجب على صانع الفيلم أن يجد منتجاً له حضور قوي بين المحطات التلفزيونية كي يضمن تحقيق مشروعه الفني. وربما العملية في عالمنا العربي معكوسة، فالمنتج هو الممول الوحيد أو الأساسي للعمل الفني، ولا تسهم المحطات المحلية، إلا في ما ندر، في عملية انتاج الأفلام التسجيلية بسبب من عدم تقييمها الصحيح من جانب القائمين على هذه المحطات، ولعدم إيمانهم بأهمية السينما التسجيلية أو خوفهم من توظيفها سياسياً بما لا يتناسب مع توجهاتهم. اليوم تؤشر البوصلة لمصلحة وجود وعي جديد بأهمية الفيلم التسجيلي ربما يعطي أملاً بتغيير داخل هذه المحطات العربية لدعم السينمائيين التسجيليين والمنتجين على حد سواء».
حالة معقدة
وحول ما إذا كان ثمة ما يحرج في فيلمه أو يثير البلبلة عند بعض المحطات العربية حصراً بما يخص الوضع العراقي يقول عبد الأمير: «يجب أن نعترف بأن الوضع العراقي حالة معقدة وله الكثير من الخصوصيات، ولهذا حتى نفهم مايحدث في العراق يتوجب علينا أن نتخلص من الكثير من المفاهيم المسبقة والأحكام الجاهزة، وكذلك الميول العاطفية من كل اتجاه، وأرى أنه من الصعب أن نستوعب الواقع العراقي إذا كنا مسلحين بالشعارات وقراءاتها المعدة سلفاً».
ويضيف عبد الأمير قائلاً: «كان موقف غالبية المحطات العربية مما يحدث في العراق أيام صدام حسين إما شاهداً أخرس أو متواطئاً معه. وبعد التغيير الأخير ودخول الأميركيين وانفجار الوضع الأمني والصراع الطائفي الذي يلعب الارهابيون ومصاصو الدماء الدور الرئيس فيه، لم تقم هذه المحطات بالدور الايجابي المطلوب منها، فكانت إما تقع في فخ الارهاب أو تصب الزيت على نار الطائفية. ولهذا يمكنني أن أقول إن الاعلام العربي في معظمه خسر العلاقة مع الشعب العراقي لأنه لم يكن يواكب مآسيه ويتعاطف معه لا قبل ولا بعد سقوط الطاغية، ولكي لا أغرق في التعميم يمكنني أن ألاحظ في السنة الأخيرة وجود بعض التطورات الايجابية التي تقترب من الموضوعية لدى بعض الأقنية الفضائية».
وحول سؤال ما إذا كانت الأفلام العراقية الجديدة أخذت تتحول إلى «ضامن» لبعض المهرجانات بسبب من طبيعة القضية العراقية نفسها يقول عبد الأمير: «لا تشكل الأفلام العراقية المنتجة حديثاً إنجازاً كبيراً، لا بالكمّ ولا بالكيف على رغم نجاح بعضها بعد انهيار النظام الديكتاتوري. لذا لا أعتقد أن هنالك مهرجانات تشكلت على حساب هذه الأفلام . نعم كانت هنا وهناك بعض الفعاليات لأفلام صنعها عراقيون، ولكنها لا تشكل ظاهرة، مع أنه يمكن التنويه ببعض الأفلام التسجيلية لمخرجين عراقيين رصدوا المشهد العراقي من زاوية ناقدة وفنية تختلف عن الزاوية التي نظر من خلالها زملاؤهم الأوروبيون والعرب، فالجمهور الأوروبي عموماً متلهف لمعرفة كيف يقرأ السينمائيون العراقيون واقعهم بعد أن ملأ الصدأ عدسات كاميراتهم وكممت أفواههم لعقود كثيرة، وربما هذا الأمر يفسر الإقبال على مشاهدة الأفلام التسجيلية لمبدعين عراقيين».
المنفى وأفلامه
وحول مستقبل هذه الأفلام التي تصنع في المنفى المستمر حتى بعد سقوط صدام يقول ليث عبد الأمير: «لا أعتقد بأن الأفلام التي صنعها مخرجون عراقيون في المنفى تنتمي إلى مدرسة عراقية، بل أتساءل فعلاً ما إذا كانت هناك مدرسة عراقية. أنا أعتقد أن هناك أفلام عراقية بصنعها عراقيون في المنفى تنتمي إلى مدارس عالمية مختلفة يمكنها أن تغني المشهد السينمائي العراقي في المستقبل، خصوصاً أن المنفى المستمر بحد ذاته يعد مدرسة خاصة للمخرج التسجيلي». وحول ما إذا كان يقصر اهتمامه في المدى المنظور على متطلبات محطات التلفزة الأوروبية يقول عبد الأمير: «التلفزيون حقل مهم لكل إعلامي، وهو محطة تستحق التوقف عندها، فمن خلال الشاشة الصغيرة نخاطب عقول الملايين، في حين تطل السينما على جمهور مختلف لا يحتسب بكثافة جمهور التلفزيون. التلفزيون مهنة بالمعنى الواسع للكلمة، فيما السينما ممارسة ابداعية وروحية لا تتكرر دائماً». ولا يخفي عبد الأمير في حوارنا معه إنه يفضل على الدوام الحديث عن الأشياء المنجزة في حال سؤالنا له عن فيلمه الروائي المنتظر ويقول: «يبقى الفيلم الروائي مشروعاً معلقاً ينتظر ساعة التنفيذ، وعندما تتحقق الأفكار والأحلام تصبح ملكاً للجميع، وأنا مثلي مثل الكثير من السينمائيين أفكر بعمل أفلام روائية، فالعراق فيه مخزون ضخم للأحداث والقصص والأفكار، وهو يمر بمرحلة عصيبة، لذا أفضل عدم الانجرار وعمل أول فيلم يخطر بالبال».
يذكر أن المخرج ليث عبد الأمير عمل لمدة عام تقريباً في محطة «العقارية» الفضائية التي تبث من دبي قبل أن يعود إلى باريس مقر اقامته الدائم وهو يقول: «في تلفزيون العقارية كان المسمى الوظيفي مديراً للبرامج والانتاج ومسؤول الموظفين، وهناك لم يكن عندي الوقت الكافي لممارسة الإخراج، ولكن تجربتي كانت مهمة على صعيد العمل مع تقنيات عالية وكيفية اعداد كادر تلفزيوني متخصص في صناعة برامج جادة تخاطب جمهوراً خاصاً، علماً أن القناة كانت تعتمد بنسبة كبيرة على انتاجها المحلي وبرامجها المنتجة ذاتياً، وقد واجهتنا مهمة بناء قناة تحتاج إلى ابراز هويتها كمحطة متخصصة لها لونها بدلاً من الاعتماد على برامج مصنعة ومستوردة من الخارج».

 

قيس الزبيدي



قيس الزبيدي : الفيلم التسجيلي كالابن اللقيط


حوار رانية عقلة حداد


عندما يَعصف بك عشق عالم ما... تضع حياتك كلها بين يديه رهن المغامرة، وحين يدهشك ويمارس سحره عليك... يغويك باكتشاف كنهه وامكاناته الكامنة، وما ان تظن انك تنهي رحلة بحثك، حتى ينثرك بمزيد من الاسرار فيغويك للبدء من جديدة باكتشافها، هذا حال المخرج العراقي قيس الزبيدي... وهو يتقصى اسرار السينما تارة من خلال النقد والتحليل، وتارة اخرى عبر التجريب شكلا ومضمونا على الفيلم السينمائي الروائي والتسجيلي منذ بداياته الاولى، بفيلم "بعيدا عن الوطن" عام 1969، مرورا بالفيلم الروائي الطويل والتجريبي "اليازرلي"، من ثم "شهادة الاطفال الفلسطينين زمن الحرب"، "سجل شعب" و"كابوس" حتى مؤخرا فيلم "الوان"، وليتمكن من الاعتماد على نفسه في ترجمة تصوراته الخاصة، درس التصوير والمونتاج السينمائي في المانيا في ستينات القرن الماضي، وكان الطالب الوحيد من قسم التصوير الذي منحته الكلية فرصة اخراج فيلم التخرج التسجيلي بالاضافة الى تصويره ومونتاجه وكتابة السيناريو له، بعد ذلك استمر الزبيدي في العمل بمختلف تلك المجالات مع التركيز بالدرجة الاولى على الاخراج، كما اضاف عدد من المؤلفات القيمة الى المكتبة السينمائية العربية منها: "المرئي والمسموع في السينما"، "الوسيط الادبي في السينما"، "فلسطين في السينما"...

اكتشاف اهمية التسجيلي
· احتلت القضية الفلسطينية جل اهتمامك، فمنحتها الحيز الاكبر في الافلام التي حققتها، ألذلك تَرجَح كفة التسجيلي على الروائي في افلامك؟ هل الفيلم التسجيلي اقدر من الروائي على ملامسة الواقع في مثل هذه القضايا؟
الزبيدي: اثناء مرحلة الدراسة في المانيا اخرجت فيلم مشروع التخرج، كان تسجيليا وتناولت من خلاله حياة صياد على بحر البلطيق، حقق الفيلم نجاحا فتم عرضه في البرنامج الالماني في مهرجان لايبزغ، بعدها بدأت ادرك اهمية الفيلم التسجيلي، وبشكل عام التفت جيل السبعينات لاهمية السينما التسجيلية، حتى اتذكر انه صدر في سوريا قرار من ادارة المؤسسة العامة السينما ان الاولوية لانتاج الافلام التسجيلية.
الفيلم التسجيلي بطبيعته منفتح على الواقع اكثر من الفيلم الروائي، انا لست ضد الفيلم الروائي، لكن الروائي غالبا لا يستطيع ان يتناول هذه القضايا بشكل متكامل او يحيط بالموضوع من كل جوانبه، لانه طبيعة وخصوصية الفيلم الروائي لا تسمح له بتناول ملحمي شامل، هنا تكمن اهمية الفيلم التسجيلي.

الدخول من الباب الضيق
· اخترت صيغة الفيلم التسجيلي والروائي التجريبي لتناول هذه القضية، في حين لا يوجد لكليهما جمهور، فكيف يمكن ان تؤثر في المتلقي الغائب، وبالتالي من هو جمهورك المستهدف؟
الزبيدي: نعم لا يوجد للفيلم التسجيلي جمهور، فلم يعتاد على مشاهدة الافلام التسجيلية، من ناحية اخرى هناك بعض الصعوبات في طريق عرضها في الوطن العربي، لكن في وقتها لم افكر بمن سيحضر بقدر ان هناك قضية مهمة يجب الحديث عنها والترويج لها ولفت الانتباه اليها دوليا، كانت مهمتي عرضها خارج نطاق الدول العربية، وهذا بمثابة الدخول من الباب الضيق، ونحن فعلا استطعنا ان نعرض في بعض المحافل في اوروبا والمهرجانات الدولية منها مهرجان لايبزغ في المانيا، او ضمن اسابيع او تظاهرات سينمائية يتم تنظيمها، التي اخذت مع الزمن تهتم بالسينما العربية، وبالافلام التي تتناول القضية الفلسطينية، فبدأ عمليا جمهور السينما التسجيلية يكبر.
حتى عالميا لم يكن هناك جمهورا للسينما التسجيلية، باستثناء كوبا فقد كانت الدولة الاشتراكية الوحيدة التي فيها عروض الافلام التسجيلية مثل عروض الافلام الروائية، وكان المخرج الكوبي الكبير سانتياغو الفاريس في مختلف المهرجانات الدولية سواء موسكو او لايبزغ ...، يناشد الجميع بان يمنحوا الاهمية للفيلم التسجيلي كما الروائي؟ وان يتم عرضه في صالات العرض التجارية؟

الابن اللقيط
· من المسؤول عن غياب جمهور الفيلم التسجيلي؟ هل طبيعة المادة التسجيلية غير جذابة للجمهور؟ ام ان معالجة الفيلم التسجيلي للان لم تصل للمعادلة التي يمكن من خلالها استقطاب الجمهور؟ ام ان الجهات المنتجة هي المسؤولة عن ذلك؟
الزبيدي: الجهات المنتجة تتحمل قدر من المسؤولية لانها غالبا ما تكون تابعة لدولة او جهة تمثل ايدويولوجية الدولة وسلطتها... فتتخوف كثيرا من عكس صورة الواقع، وبشكل خاص الحاضر، لهذا دائما حتى في الافلام السوفيتية العظيمة التي تناولت التاريخ بشكل عظيم وساحر، عندما حاول مخرجيها تناول اي موضوع له علاقة بالحاضر كان يجد دائما مشاكل وصعوبات.
من جهة اخرى الفيلم التسجيلي كالابن اللقيط، لا احد يرغب بان يعترف بأبوته. بدأت التلفزيونات في السبعينات بالاهتمام بالفيلم التسجيلي، لكن حصل انحراف وتشويه له ان كان في موضوعه او في صيغته الفنية، فاما يتخذ التاريخ كملاذ على مستوى الموضوع، او على المستوى الفني اصبح اقرب للروبرتاج، ففقد بذلك صفته كفن اصيل وراقي مثل الفيلم الروائي.
الان في المحطات الفضائية بدأ نسبيا الامر يتغير، بشكل خاص في محطة الجزيرة الوثائقية، فلديها اهتمام كبير ومنهج لتطوير الفيلم التسجيلي ليس بالمواصفات المعهودة، انما بمواصفات جديدة، من خلال التركيز على اهمية الصورة، والتعبير البصري في الفيلم، كما تسعى لتغيير التصور السائد عن الفيلم التسجيلي بان عليه ان يكون طويلا، واقرب الى الاخباري، ومصحوبا بمساحة تعليق كبيرة، يتناسب مع طبيعة المشاهدة التلفزيونية التي لا تعتمد على التركيز الكبير وتضع في اعتبارها الوقت الميت الذي من الممكن مثلا ان يرد المشاهد فيه على الهاتف وهذا يقطع المشاهدة، كما تحرص هذه الفضائية ان لا يبقى موضوع الفيلك التسجيلي ان يبقى محصورا بما هو مقبول ومتوافق فكريا وايدولوجيا مع الجهات المنتجة والمسؤولة والمشرفة عليه اعلاميا.

الرؤية المستقلة
· هذا يقودنا للسؤال من المسؤول عن الرؤية التي يحملها الفيلم؟ ...فهل يحمل الفيلم تصور جهة الانتاج ام تصور المخرج؟
الزبيدي: هناك مشكلة في السينما العربية، وواقع حالها ان الفيلم/الصورة هي خليط بين رؤية المخرج وجهة الانتاج، وبالذات بعد ان دخل فيها جهات تمويل غير عربية، حيث اي جهة انتاج ترغب بان لا يتعارض الفيلم مع مصلحتها او وجهة نظرها، واذا ما اخذنا هذا كمفتاح وراقبنا اي المواضيع التي تم طرحها في السينما العربية، وتحديدا تلك التي تتناول القضية الفلسطينية، نكتشف التصور الثتائي او موالمة عمل الفيلم بحيث لا يتعارض مع الجهة الممولة.
اما بالنسبة لي فمنذ البدايات الاولى كنت اسعى لان امتلك الادوات التي تمكني من تجسيد رؤيتي الخاصة بالاعتماد على نفسي، لذلك كانت البداية في دراسة التصوير والمونتاج لاحصل على التمكن في الجانب التقني، ومنذ بدأت مشواري العملي وانا احرص على حماية استقلالية رؤيتي، وبالتالي ان تعبر عن تصوري انا وليس عن تصورات الجهات المنتجة اي كانت، لذاك عندما عملت في البداية مع المؤسسة العامة للسينما في سوريا، لم اخرج اي فيلم يتناول سوريا، وعندما دعيت عدة مرات كي اعمل افلاما عن العراق اعتذرت لان جميع المشاريع المقترحة كانت تعبر عن تصور الجهة المنتجة وليس عن تصوري انا، بالتالي لم انجح في عمل اي فيلم عن العراق.
لهذا اخذت القضية الفلسطينية حيزا كبيرا من اعمالي من ناحية لاهمية الموضوع باعتباره بؤرة القضايا الاجتماعية والسياسية العربية، ومن ناحية اخرى كي ابتعد عن اي موضوع قد يهدد استقلالية رؤيتي، فكنت اقدم افكار افلامي للجهة المنتجة سواء اكانت المؤسسة العامة للسينما، ام لمنظمة التحرير، او اي جهة اخرى، فاذا وافقت على رؤيتي نفذتها، غير ذلك اعتذر عن عمل اي فيلم باملاءات.

الذات والوله بعالم التشكيل
· منذ "بعيدا عن الوطن"، "الزيارة" وانت في سعي دائم نحو التجريب لاكتشاف شكل واسلوب جديد لتقديم المضمون... فكيف قاربت مؤخرا في فيلمك التسجيلي "الوان" اللون في تجربة التشكيلي العراقي جبر علوان سينمائيا؟
الزبيدي: لا اعلم لماذا يأسرني عالم الفن التشكيلي، فمنذ كنت في المعهد عملت فيلما ادخلت فيه الرسم، ثم في فيلم "الزيارة" الروائي التجريبي القصير استخدمت الصور الفوتوغرافية والرسومات، وفي "شهادة الاطفال الفلسطينين في زمن الحرب" تناولت رسوم الاطفال الفلسطينين، ثم فيلم "كابوس" كان عن الكولاج لرسام الماني، والان عن الاعمال التشكيلية لجبر علوان.
لا شك ان جبر علوان رسام مهم عنده طريقة خاصة في استعمال الالوان، والطريف اني سميت الفيلم "الوان" لاني اردت ان اعمل الفيلم عن اللون عند علوان واسمه هذا يلفظ باللاتينية الوان وهو اسمه لكنه ايضا يشير الى اللون.
فيما اذا التقى فن السينما كوسيط، بالرسم كفن ووسيط مختلف، ثمة هناك اشياء مشتركة بينهما واشياء متضادة فما ينتج عن ذلك يعتمد على معرفة ومهنية وقدرة صانع الفيلم على ايجاد هذه العلاقات المتجانسة والمتفارقة. فمثلا من الاشياء المختلفة ان اللوحة ثابتة سكونية واطارها متنوع في شكله وحجمه؛ مستطيل او مربع صغيرة او كبيرة، بينما السينما صورتها متحركة واطارها محدود...
عمليا ليس المهم اللوحة بقدر ما هو اعادة تفكيك اللوحة واعادة بنائها وربطها كلون وايقاع وملامح وموضوع باللوحة الثانية بمعنى اعادة تفكيكها واعادة انتاجها سينمائيا، وهنا يعطيك المونتاج فرص بالتشكيل لا حدود لها. وحاولت هنا ببناء مونتاجي ان اتطرق لعملية ابداع اللون عند هذا الرسام.
فيلمي ليس فيلم بورتريه عن جبر علوان العراقي، انما بحث في جذور اللون الذي يستخدمه جبر علوان، اهو من دمشق (المدينة الشرقية) التي يقيم فيها بعض الوقت ام من روما (المدينة الغربية) التي يقيم فيها البعض الاخر من الوقت، ام من الذاكرة من بلده الام العراق.
نراه في الفيلم يرسم في روما، ويرسم في دمشق، اردت ان اكتشف من اين ياتي باللون في كل مكان منهما، من شمس روما ام من شمس دمشق الاقوى والاكثر دفئا؟ وهل هناك فرقا في اللون ودرجته بينهما؟ ماذا نوع الموسيقى التي يسمعها عندما يرسم في كل منهما؟
اضافة الى اني استخدمت مقطع من مسرحية جواد الاسدي "حمام بغدادي" التي رسم جبر لها لوحة الخلفية وعبر حديثه عنها وعن تجربته هذه دخلت في موضوع العراق هنا استرجعت اللوحات الذي رسمها عن العراق التي تختلف تماما عن اللوحات التي يعرضها في الوقت الحاضر، بهذا الفيلم اول مرة اقترب من الموضوع العراقي لكن بشكل تجريبي.
· اين تظهر ذات قيس الزبيدي في افلامك واين تتقاطع مع شخوصها؟
الزبيدي: الذات تتجلى بالتصور او رؤيتي للعمل وبالسينماتوغرافيا، فاي موضوع هو موجود بالواقع، المهم كيف هؤلاء ينتقلوا من العالم الواقعي الى العالم السينمائي، وضمن كيفية معالجة بصرية وصوتية سينمائية هذا هو انا عمليا وهنا تظهر ذاتي.

شباب حاضر... مشروع غائب
· قيس الزبيدي من شاب في بداية عطائه والمشارك في افلام مهرجان دمشق الاول لسينما الشباب 1972، الى عضو لجنة تحكيم في عدة مهرجانات عربية، عبر هذا المشوار الطويل كيف ترى الافلام التي يقدمها الشباب الان مقارنة مع الافلام التي كان يقدمها جيلكم في بداياته؟ اين يلتقيان واين يختلفان؟
الزبيدي: ما لاحظته بشكل خاص في مهرجان افلام من الامارات، حيث عدد الافلام المشاركة حوالي 110، وعدد العاملين في المجال السينمائي يقترب من ال 900 شخص، ان هؤلاء احبوا ان يعملوا سينما لكن ليس لديهم لا المشروع ولا الحرفة اي غير مؤهلين ان يعملوا مشروع، الا ان ما يحدث بشكل عام شيء جيد، اضافة الى اهمية محاولات التجريب في الفيلم التي يخوضها البعض. لكن عملنا في المهرجان توصية بان يهتم الشباب بالفيلم التسجيلي لانه مهم لكن اهتمامهم فيه للان قليل.
في حين ان ابناء جيلي لم يصل الى هذا العدد الكبير من العاملين الان في السينما، لكن كان اغلبهم محصنا اكاديميا ومؤهلا كي يشتغل في السينما، بالاضافة الى امتلاك مشروع واضح.
· حدثنا عن طبيعة الفيلم الذي تعكف على اخراجه الان؟
الزبيدي: حاليا اعمل على فيلم قد يمتد الى سلسلة افلام تتناول سكان المناطق الحدودية والعلاقات بينهما، وفي هذا الفيلم اتناول القاطنين السوريين على الحدود اللبنانية والقاطنين اللبنانيين على الحدود السورية، والعلاقات التاريخية بينهما، العمل المشترك، الاسر المشتركة، والزيارات المشتركة، لنكتشف كأن ليس هناك حدود يمكن اثباتها بشكل واقعي وموضوعي. كذلك التعرف على ما يفرضه الوضع السياسي عليهم من صعوبات وكيف يتجاوزن تلك الصعوبات.
raniahaddadus@yahoo.com
سينماتك

 

بشير الماجد


بشير الماجد: لم يتخيل أحد وجود إمكانية تصوير فيلم سينمائي في بغداد


عبد الجبار العتابي من بغداد: نال المخرج السينمائي العراقي الشاب بشير الماجد جائزة لجنة التحكيم لمهرجان بيروت السينمائي الدولي الذي أقيم في الأول ولغاية الثامن من شهر تشرين الاول / اكتوبر 2008، عن فيلمه الروائي القصير الذي يحمل عنوان (تقويم شخصي)، والذي كتب قصته والسيناريو، ومن اجل تسليط الضوء على هذه المشاركة وشؤون اخرى سينمائية التقينا الماجد واجرينا معه هذا الحوار.

* ما مدة الفيلم ومن هم ممثلوه وما هي فكرته ؟

- مدة الفيلم (9) دقائق، وهو روائي قصير، انتجته على حسابي الخاص عام 2007، اشترك في تجسيد شخصياته فنانون عراقيون من اجيال مختلفة وهم : علي داخل ونجم الربيعي وحكمت القيسي وافراح طه ومصطفى الطويل وحيدر جمعة وفكرة سالم وعدي سعدون، اما فكرته فهي تناقش صراع الكتل السياسية العراقية والخلافات التي تحدث بينها (بشكل رمزي) وتشبث كل كتلة بمصالحها الخاصة ومنافعها، وذلك من خلال مجموعة من الناس الذين يستقلون (باصًا) للنقل من نوع (تاتا)، يختلفون فيما بينهم على ايام الاسبوع، فكل راكب يعتقد يومًا معينًا مغايرًا لما يعتقده الاخرون، ويبدأ كل راكب بالدفاع عن اليوم الذي يعتقده غير آبه بإعتقاد الاخرين، مما يعكس نوعًا من الانانية لدى الجميع.
اين صورت الفيلم ؟

- صورته في منطقة (الطالبية) التي تقع شمالي شرقي بغداد، وهي منطقة شبه صناعية، متجنبا بذلك الدخول في مناطق سكنية تمثل اغلبيات طائفية، واعتبر هذه مشكلة كبيرة واجهتني عند التنفيذ، فقد اكتشفت قبل البدء بالتصوير بساعات قليلة وبعد ان استعرضت للممثلين حركة الباص والمناطق التي سيمر بها في بغداد، فوجئت بإعتراض بعضهم على المناطق كونهم ينتمون إلى طوائف مختلفة تمثلها الاغلبية للمناطق، وهنا يترتب علينا اختيار منطقة محايدة حيث ان فريق العمل يتكون من مختلف الطوائف والقوميات، ولهذا اضطررت الى ان اغير خطة سير الباص واجعله يقتصر على مسافة 300 متر فقط، وكنت احرك الباص من نقطة وأعيده إليها وذلك لوجود دورية شرطة لحمايتنا في المكان.

* هل ثمة صعوبات اخرى ؟

- هناك صعوبة على مستوى الانتاج، فنحن بحاجة الى دعم حكومي ومنظماتي، والغريب ان هناك من يرفع شعار دعم الثقافة والفن وهو غير راغب في دعم هذاه المشاريع المهمة.

* هل لك ان توضح القصد ؟

- هناك بعض السياسيين يدعون بين حين وآخر أنهم يدعمون الحركة الفنية الثقافية عموما، ولكن لم اسمع من شخص واحد منهم انه دعم مشروعًا فنيًا او سينمائيًا على وجه الخصوص بمبلغ سنت واحد، ومن المؤسف ان تكون تلك التصريحات مجرد واجهة دعائية لحملات انتخابية لا اكثر.

* كم استغرق تصوير الفيلم وكم ميزانيته ؟

- استغرق التصوير اربع ساعات من ضمنها (45) هي مدة الاستراحة وتناول طعام الغداء، وقد اشتغلناه من الساعة الثانية عشرة ظهرًا الى الساعة الرابعة عصرًا لأن الممثلين يسكنون في مناطق مختلفة من بغداد ومن الصعب الوصول الى بيوتهم اذا تعدى الوقت الساعة الخامسة مثلا، كما انه من الصعب اضافة يوم عمل اخر لانه مكلف ماديًا بالاضافة الى صعوبة جمع الممثلين، اما كلفة الفيلم فكانت نحو الفي دولار فقط، علما ان الفنانين والفنيين عملوا مجانًا معي !.

* هل شارك الفيلم بمهرجانات خارجية؟

- شاركت به في خمسة مهرجانات دولية وتنتظرني مشاركتان هما : مهرجان دبي ومهرجان فيلم الشباب في طهران، علما انني اعمل واشارك دون دعم المؤسسة الرسمية، واذن علينا ان نتخيل ماذا يمكن ان نحقق من نجاح لو تم دعم السينما في العراق من قبل المؤسسة الرسمية، وأود ان اقول لك ان الفيلم رغم فقر الانتاج او ما يسمى اصطلاحًا بالسينما الفقيرة الا انه استطاع ان يحصل على الجائزة الثانية في مهرجان الخليج السينمائي الاول الذي اقيم في نيسان / ابريل الماضي، وعن طريق مبلغ الجائزة استطعت ان اسدد الديون التي ترتبت على انتاج الفيلم.

* حدثنا عن مشاركة الاخيرة في مهرجان بيروت ؟

- دخلت المنافسة ضمن المسابقة الرسمية مع (13) فيلم روائيا وتسجيليا قصيرا مشاركة في المهرجان من دول عربية واجنبية، واستطاع ان يحصل على جائزة لجنة التحكيم الخاصة، علما ان اللجنة مكونة من : المخرج الايراني باباك واللبنانية نادين لبكي والمصرية هالة خليل، وسمعت من لجنة التحكيم ثناء واعجابا بالفيلم بعد عرضه وقالوا انه عكس صورة عن الواقع الامني العراقي، حيث ان البعض لم يتخيل وجود امكانية تصوير فيلم سينمائي في بغداد، والفيلم اكد هذه الامكانية.

* ما تسلسل هذا الفيلم لديك ؟

- انه الفيلم الاول لي اخراجًا، وفي الحقيقة انه مشروع تخرج من كلية الفنون الجميلة ببغداد، وكنت قد مثلت في فيلم (احلام) مع المخرج محمد الدراجي.

* كمخرج شاب ومطلع، برأيك اين يكمن الخلل في عدم النهوض بالسينما العراقية ؟

- ان السينما كما نعرف صناعة وهي تحتاج الى رؤوس اموال ولكن بالقدر الذي يمكن الفيلم من الوقوف في محافل دولية، وهذه الصناعة تحتاج الى دعم مؤسساتي يخصص لدعم السينما تحديدًا مثلما هو موجود في العديد من الدول العربية، والعامل الثاني هو تأهيل دور العرض السينمائية، حيث لا توجد الان صالة عرض سينمائية صالحة، فلو نظرنا مثلا الى السينما الايرانية سنرى انها في مصاف الدول المتقدمة، وهذا بفضل الدعم الحكومي لها، وفي الاردن هناك الهيئة الملكية لدعم الافلام، ويفترض ان تدرج السينما في لائحة الضرورات القصوى لمعالجة كل الاوضاع المتردية في العراق، على اعتبار ان السينما وسط تعبيري وتثقيفي مهم يجب ان يؤخذ بنظر الاعتبار، وعلى الحكومة العراقية ان تفتخر بشبابها السينمائيين الذين يحققون نتائج ممتازة ويتنافسون مع مخرجين كبار ويمتلكون امكانات عالية، علما ان امكانات المخرج العراقي الشاب تقترب من الصفر.

* ما مشاريعك المقبلة ؟

- انتهيت من كتابة قصتين لفيلمين روائيين بالمشاركة مع السيناريست والمخرج نزار حسين، وهما جاهزان للتنفيذ، الاول يحمل عنوان (يوميات مريض) مدته (35) دقيقة، وقد دفعت به الى دائرة السينما والمسرح العراقية على امل المساهمة في انتاجه، وعلى الرغم من مرور اكثر من شهر الا انني لم احظ بأي جواب، والثاني يحمل عنوان (مرثية) من المؤمل ان يخرجه نزار حسين وما زلنا نبحث عن جهات منتجة له.

ايلاف

حوارات is powered by Blogspot and Gecko & Fly.
No part of the content or the blog may be reproduced without prior written permission.
First Aid and Health Information at Medical Health